shimery.com
New Page 1
 
shimery.com



سفارة اليمن بمصر


مقالات                      

تفاصيل المقالة
مقدمة ديوان عبد الله الضحوي 
 مقدمات كتب آخرين

  عبد الله الضحوي – عاصمةٌ من الشعر    صدر بتاريخ (2005)

هذا الشاعر أستاذي الذي رضعت من رضابه رحيق الذائقة الشعرية، وتأثرت بحفاظ لسانه على النطق بالفصحى، وعملت تحت قيادته مربيًا خلال فترة رئاسة إبراهيم الحمدي، وأحمد الغشمي في السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، الرابع عشر الهجري، حينما كنت في عمر العُرام التحصيلي، والغرام الروحي التصوفي في مدينة الحديدة باليمن.

كيف لي أن أكتب تقديمًا أو تعريفًا لكعبةٍ طفت بها وصليت في حجرها، أم أنىَّ لي أن أرسل أضواء كلماتي الخافتة في رأد الضحى لأرشد الناظرين إلى مكان الشمس، وهيهات هيهات أن أتحرر من سلطان الشغف الذي ترعرع معي وسكن السويداء من قلبي، شعره غزير متدفق، وصوره الشعرية طويلة، وتشبيهاته تمثيلية، ووجه الشبه عنده كثيرًا ما يكون متعددًا، لأنه ولد شاعرًا، ونشأ شاعرًا، وعمل شاعرًا، ولكن المكان والزمان لهما تأثيرٌ مباشرٌ على ما يلفظه اللسان، وعلى ما يخالج الوجدان، وإن كان شاعري هذا ممن زار الهند والسند والشام ومصر وغيرها من البلدان، لكنه يرحل بجسمه ويبقى وجدانه في خيام بلاده، يقيم مع أحبابه، ولا يبارح صفحات كتبه.

فحيث يرحل يرحل بمكتبة واسعة من محفوظاته، وما أغزرها وأوسعها من واحة، فكأنه المعني بقول الإمام الشافعي:

علمي معي حيثما يممت ينفعني ________________________
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي ________________________

 

قلبي وعاءٌ له لا بطن صندوق ________________________
أو كنت في السوق كان العلم في السوق ________________________

لذلك فلا وجود لأي شهادة ميلاد لقصيدة ما، تنتمي إلى جنسية أخرى، فأشعاره كلها يمنية حملا وولادة حسبًا ونسبًا، ومعملُ تحميض أفلام الصور الشاعرية التي تلتقطها عدسات وجدانه يقع في اليمن، بل في مدينة الحديدة، أو بلدة الدريهمي مسقط رأسه، وبيئته، فقلما وجدت صورة شعرية في تضاعيف قصائده الكثيرة ولدت على ضفاف نهر دجلة، أو الفرات، أو من وحي رذاذات نهر النيل، أو من حضارات تاج محل الهند والسند، والهرم، وآشور، وكأنه لم يرها، ولا عتب عليه، كما أنه شاعر مسكون بالربانية والمناجاة، والذكر والشكر، فنادرًا ما تغيب عن قصائده انكسارات الضراعة لربه والشكوى إليه – ولله دره – في ذلك، لكن النقاد لا يعتبرون لهذا النوع من الشعر شيطانًا، لأنه شعرٌ يخلو من الهيام في الأودية الواسعة، ويخلو من الجفول، والنفور، كالفرس الجامح المستوحش.

وهي الصفة التي جعلها الله صفةً لازمة للشعراء الذين عدهم القرآن (هم الشعراء) وإن كان البعض قد فسرها – وهم الفقهاء وعلماء التأويل – بأنها صفة ذم، لكن البلاغيين وعلماء الفهم عدوها تعريفًا ربانيًا لمن يطلق عليه شاعر، وليست صفة ذم، وبنوفهم هذا على تقديرٍ محذوفٍ يقتضيه السياق، والشعراء هم الذين ولو أراد سبحانه ذلك لعبر بجملةٍ هجائية صريحة، إلا أن أستاذي هذا الشاعر قد أعانه الله على شيطانه فأسلم كما أسلم شيطان أبي العتاهية الذي تحول إلى واعظٍ وحكيم أكثر منه شاعرًا، والأمثلة في ديوان الضحوي كثيرة، وأحسبها عشرات، وانظر معي قصائده (مناجاة) و(من وحي مشاعر الألم) وأمثالهما كثير، وكما نرى لوحاتٍ رائعات من الاستهلالات الغزلية الرقيقة الناعمة يدخل بها شاعرنا الضحوي إلى أغراضه الشعرية، ويتخذها جسرًا خداعيًّا لجذب انتباه السامعين، ثم يتحول منها بالتدريج إلى مرامه الذي يمم إليه.

نرى أيضًا من خلال مطالعه العاطفية الممتازة رؤية ظاهرية سطحية، وهي اقتفاء المدرسة الكلاسيكية الشعرية على إثر أسلافه الشعراء عبر العصور القديمة، وهذا النمط ما درج عليه جيله وبيئته وأترابه في اليمن، ونرى شيئًا ضمنيًا يتضح للناقد، وهو مقدرة هذا الشاعر الكبيرة – لو أراد أن يوظفها – في مجالها دون خجل من الاتهاميين، أو خوفٍ من الخروج على صفة الوقار عند التقليديين، فما أعذب استهلالاته، وأرق مطالع قصائده:

دعاة الهوى، فانصاع للحب جانبه ________________________

 

وأعجزه والشوق من ذا يغالبه؟! ________________________

بدأ بالخبر العاطفي، وختم بالاستفهام الإنكاري، وحشد في مفرداته أرق الألفاظ الهوى، الحب، الشوق، في بيت واحد، فجاء طروبًا مطربًا شجيًا نجيًا وهكذا هو في معظم مطالعه، كما أن الضحوي قوي الصلة بالناس كثير الأصحاب والأحباب، حافلٌ وقته بحضور مناسباتهم، أفراحًا، وأتراحًا، لذلك نجد شعر التهاني والمراثي كما قال حافظ إبراهيم:

إدا تأملت ديواني لتقرأه ________________________

 

وجدت شعر المراثي نصف ديواني ________________________

وهذا النوع من الشعر يجب أن يكون بطبيعته أقرب إلى النظم إذ لا مكان فيه للقفزات الحرة الطليقة، فالشاعر يريد ذكر اسم صاحب المناسبة وأهله ومكانها، ويدعو الله، ويمدح، أو يصبر، وأنَّى لشاعر يدخل مضمار القصيدة مكبلا بمطالب المناسبة الآنية، أن يذهب في الأفق بعيدًا عن المكان، والإنسان، ولذلك فلا يتناول النقاد هذا النوع من القصائد إذ ليست مقياسًا على نوع وموهبة الشاعر، ولكنها قصائد تأريخية مهمة، وقد تكون شاجية حزنًا أو فرحًا، وحتى قصائد المتنبي وغيره في المناسبات لا تعد في سلسلة عقد الوجدانيات إلا بما فيها من حكم وصور وتشبيهات، ومع ذلك فالضحوي لا يشق له غبار، ولا يطامرُ في غمار يبدع فيها، ويعجز.

وأختم كلمتي هذه المقتضبة مداعبًا – على استحياء – أستاذي الذي طرب لدعوة الصحفية المصرية هيام دربك لعودة المرأة إلى بيتها، وكتب إليها قصيدة مادحة مؤيدة، بيد أنه لم يكن كذلك لدعوتها الشهيرة على شاشات القنوات الفضائية (زوجة واحدة لا تكفي) متى يتناول هذه الدعوة بالشجب والتنديد؟ فتحية لأستاذي الجدير، ولشعره الغزير الذي يتدفق كالودق في كل مناسبةٍ، وكل قصيدة أعذب من أختها وأرق.

اللهم أدم عليه نعمك السوابغ، واجزه عني خيرًا...
د. عبد الولي الشميري
رئيس مؤسسة الإبداع للثقافة والآداب والفنون – صنعاء
رئيس منتدى المثقف العربي – القاهرة
الواحة – القاهرة
12 من ربيع الأول سنة 1426هـ
24/4/2005م

 
  رجوع 
shimery.com
مقالات | ألبوم الصور | مؤتمرات | لقاءات صحفية | نشاط ثقافي
لمراسلة موقع السفير راسلنا علي
info@shemiry.com